أي الذنب أعظم؟
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أي الذنب أعظم؟ قال: « أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت ثم أي؟ قال: ثم أن تزاني حليلة جارك »(1)
متفق عليه.
وهذه من الأمور المحرمة، ومن كبائر الذنوب، أما أولها ظاهر: وهو الشرك الأكبر أن تجعل لله ندا وهو خلقك.
والثاني: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك.
والثالث: أن تزاني بحليلة جارك.
ذكر أمورا وذكر نوعا خاصا من الشرك أن تجعل لله ندا وهو خلقك -سبحانه وتعالى - علم وبين أنه هو الخالق -سبحانه وتعالى- وهو المستحق للعبادة، وأعظم الحقوق وأجلها هو حقه -سبحانه وتعالى- وأعظم الباطل هو إبطال هذا الحق، أن تجعل معه ندا -سبحانه وتعالى.
ولهذا كان هذه الكبيرة وهي أكبر الكبائر لا ينفع معها عمل، عند الله عز وجل: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾(2) وقال - سبحانه وتعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾(3) وقال: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾(4) .
والخصلة الثانية: أن تقتل ولدك، ذكر نوعا خاصا من القتل، وهو قتل الولد، وهذا فيه قتل وفيه قطيعة للرحم، حيث قتل ولده خشية أن يطعم معه، كما كان يفعل أهل الجاهلية في قتل أولادهم من البنين والبنات، أو خشية العار للبنات.
ثم أن تزاني بحليلة جارك وهذا الزنى قبيح، وإذا كان بحليلة الجار كان أقبح وأقبح، الجار الذي حقه من أعظم الحقوق، في صلته وبره، تخاتله، ولهذا قال: تزاني يعني يدل على أن الأمر وقع عن مخادعة، تزاني عن مخادعة حتى وقع في هذا الأمر وهو الزنى بهذا، ولهذا روى الإمام أحمد -رحمه الله-: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات خير من أن يسرق من الجار، ولأن يزني بعشر نسوة - يعني أن زناه بامرأة جاره شر من زناه بعشر نسوة، وسرقته من بيت جاره شر من سرقته من عشرة أبيات - وإن كان لفظ الحديث خير فالمراد ليس المراد بها المفاضلة كما يقع.
لكن الحديث المقصود منه أنه إذا تقبيح أمر الزنى وأمر السرقة من الجار، وكما في هذا الحديث، ولهذا في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾(5) .
جاء في رواية مسلم، فأنزل الله تصديق هذا بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾(6) الآية، نزل تصديقا لما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام.
وهكذا ما يأتي به هو عليه الصلاة والسلام تارة تتواطأ عليه النصوص في الكتاب والسنة، وهذا أقوى الأدلة وهو ما اتفق عليه الكتاب والسنة، إذا اتفق الكتاب والسنة على شيء فهذا من أبلغ ما يكون، يليه إذا جاءت السنة مفسرة لهذا المعنى، يليه إذا جاءت السنة مستقلة بمعنى، فهذه كلها من طرق الإثبات وهي محل إجماع من أهل العلم.
ما اتفق عليه الكتاب والسنة اتفاقا واضحا والمعنى واضح لا يحتاج إلى تفسير، يليه ما كان في الكتاب وجاء تفسيره في السنة، يليه ما جاءت به السنة مستقلة به، كل هذه من الطرق، يليه الإجماع، ويليه القياس والاعتبار الصحيح، هذه خمسة طرق كلها متفق عليها بين أهل العلم في إثبات الأحكام، ومجمع عليها إجماعا مقطوعا به، نعم.