موضوع هام نقله للمنتدى الأخ : سمير
كيمياء التزوير بالقانون لبرلمان فاقد للصوت ...الفخ الذي وقعت فيه الاحزاب المشاركة في تشريعيات 10 ماي..؟
الكاتب: حبيب راشدين
عندما ينتج ثلث الأصوات المعبر عنها ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان، ويضيع ثلثا الأصوات في الثقب الأسود، فلا بد أن نبحث عن مواطن التزوير في قانون الانتخابات، الذي تكفلت أربع مواد منه بتحقيق التزوير القانوني القبلي، الذي أعفى الإدارة من التزوير البدائي الفاضح بحشو الصناديق...
6000 صوت لصناعة نائب فاقد للصوت
وعند التحليل الدقيق للنتائج التفصيلية، يتضح أن النائب من جبهة التحرير احتاج في المعدل إلى 5992 صوت فقط للفوز بالكرسي البرلماني، بينما احتاج نظيره من التجمع إلى 7485 صوت، واحتاج النائب من قوائم الإسلاميين إلى 15200 صوت، وضمن القوائم الإسلامية احتاج النائب المرشح على قوائم جبهة العدالة والتنمية للشيخ جاب الله إلى 33239 صوت، أي أن النائب من جبهة العدالة والتنمية له من الأصوات ما يعادل 5,54 مرة ما للنائب من جبهة التحرير.
وإذا ما اعتمدنا على نسبة الأصوات المعبر عنها، وعدد نواب البرلمان: 462 عضو، فإن المقعد في البرلمان كان يحتاج في المعدل إلى 16526 صوت، ليتوزع افتراضيا كالتالي: جبهة التحرير بـ 80 مقعد أي بنسبة 34،17 في المئة، وأحزاب التيار الإسلامي بـ 53 مقعد، أي بنسبة 11,54 في المئة، ثم التجمع بحوالي 32 مقعد، أي بنسبة 6,86 في المئة.
ثلث الأصوات يصنع ثلاثة أرباع البرلمان
هذه الكتل الثلاث الكبيرة حصلت على ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان بثلث الأصوات المعبر عنها، وما كان لها أن تحصل على أكثر من 35,75 في المئة من مقاعد البرلمان بـ 165 مقعد لا أكثر، لأن مجموع ما حصلت عليه من الأصوات لا يزيد عن 2730126 صوت، أي بنسبة 35,75 في المئة من الأصوات المعبر عنها، بعد اقتطاع الأصوات الملغاة التي كانت ستنتج 103 مقعد نيابي بنسبة 22,31 في المئة، وتتوزع بقية المقاعد، أي 297 مقعد على بقية التشكيلات، ومنها القوائم التي حصلت على أقل من خمسة في المئة، بنسبة لا تقل عن 64 في المئة.
فأين يكمن الخلل إذن؟ وأين موطن التزوير؟ لأن التزوير حاصل بلا ريب، لكن ليس كما تدعيه الأحزاب التسعة، وليس تحديدا عند إدارة عمليات اليوم الانتخابي، أو عبر حشو الصناديق كما كان يحصل في استحقاقات سابقة.
وبالنظر إلى كون هذا الاستحقاق قد أفقد جبهة التحرير نصف قواعدها الانتخابية، فيما احتفظت الأحزاب الإسلامية بحجمها قياسا مع تشريعيات 2007 فقد تحتج جبهة التحرير بدورها وتدعي بتزوير الانتخابات، ومثلها يحتج التجمع الوطني الذي انهار على المستويين: من حيث تقلص قاعدته الانتخابية وتراجع حصته من المقاعد.
التواطؤ الجماعي على التزوير القبلي
وفي الجملة، فإن معظم التشكيلات الممثلة في البرلمان تكون قد استفادت من التزوير الفني القانوني، الذي شاب الاستحقاق، وكان مبرمجا في نصوص قانون الانتخابات، حتى وإن تفاوتت التشكيلات في نسبة الاستفادة، إلا ما كان من نصيب جبهة العدالة والتنمية، وأن الحزب الوحيد الذي فاز بحصته الفعلية من المقاعد هو حزب العمال، حيث يستوفي نوابه الـ 17 على معدل 16526 صوت لكل مقعد، بمجموع 283585 صوت حصل عليه حزب لويزة حنون.
ولأجل ذلك فإني لا أرى مسوغا لما دعت إليه الأحزاب التسعة المطالبة بإلغاء الانتخابات، إلا إذا أرفقت الطلب بدعوة لمراجعة قانون الانتخابات، الذي أنجز التزوير القبلي ببراعة، وضحك على التشكيلات المشاركة، وعلى المراقبين الدوليين، وعلى الناخبين.
فالقانون الانتخابي الأخير قد زور الاستحقاق تزويرا قبليا محكما، وصنع النتيجة حتى قبل دعوة الناخبين، ومعرفة نسبة المشاركة، ورجح، بما لا يدع مجالا للشك، الجهة التي سوف تحصد العدد الأكبر من المقاعد، كيفما كانت نسبة الأصوات التي تتحصل عليها.
المواد الأربع التي "خاطت" برقع البرلمان
فالقانون مر على يد "دراز" ماهر، وجزار حذق عالم بمواطن الحز والقطع، يعرف من أين تؤكل كتف الانتخابات، ولم يكن بحاجة لأكثر من أربع مواد، تبدأ من المادة 84 وتنتهي بالمادة التحفة رقم 87 التي أورد هنا نصوصها بالكامل، حتى يتسنى للقارئ أن يتبين كيف تم التزوير القانوني لهذه الانتخابات، على مرأى من المشاركين، وبقبول من الأحزاب التي ترفع اليوم أصواتها بالدعوة إلى إلغاء الانتخابات بتهمة التزوير، وكان يفترض أن تتهم نفسها بأنها من القوم الذين لا يقرءون، وإذا قرءوا لا يفهمون، وإذا فهموا فهم لا يعقلون.
دعونا قبل ذلك نذكر، بأن الطبقة السياسية ظلت طوال مناقشة قانون الانتخابات منشغلة بجدل عقيم حول حصة النسوة، واشتغلت قبل انطلاق الحملة بمفردات التشكيك التقليدي بنزاهة الإدارة، رغم الضمانات المقدمة في القانون، لكنها أغفلت النظر إلى أهم فصل في القانون المتعلق بتوزيع المقاعد، في اقتراع ينظم بطريقة الاقتراع النسبي على القائمة، والوقوف تحديدا عند المواد من 84 إلى 87، وقبلها عند المادة 27 التي خولت الوالي كامل الصلاحيات في توزيع الناخبين على مكاتب التصويت، دون رقابة قبلية تطابق قوائم المكاتب مع القوائم الرسمية للناخبين.
الآيات الشيطانية في المحكم من التزوير
فالمادة 84 أدناه أحالت اختيار النواب إلى الأحزاب وليس إلى الناخب، لأن الناخب إنما يصوت على قائمة وليس على نائب بعينه، وذلك في اعتقادي أكبر تزوير ينجز في حق إرادة الناخب الذي اشترى النواب بالجملة، أو على طريقة التبضع قديما من سوق الفلاح، فقد نصت المادة على أنه: "ينتخب المجلس الشعبي الوطني لمدة خمس سنوات بطريقة الاقتراع النسبي على القائمة..."
وجاءت المادة 85 بأم كتاب التزوير، حين اعتمدت "توزيع المقاعد حسب نسبة عدد الأصوات التي تحصل عليها كل قائمة مع تطبيق قاعدة البقاء للأقوى" قبل أن تضيف في الفقرة الموالية ما كان المشرع يحتاج إليه لتنفيذ التزوير القبلي بالقول إنه: "لا يؤخذ في الحسبان عند توزيع المقاعد، القوائم التي لم تحصل على خمسة في المئة على الأقل من الأصوات المعبر عنها" لتنتج بالتالي احتياطيا هائلا من الأصوات المعبر عنها، سوف توزعها المادة 87 بمهارة على القائمة الأقوى.
وقبل ذلك كانت المادة 86 قد اعتمدت ما يسمى بالمعامل الانتخابي لكل دائرة، والذي يحسب بعد إخراج أصوات القوائم التي لم تحصل على خمسة في المئة من اللعبة، حتى لو كان إجمالي ما حصلت عليه يفوق نصف الأصوات المعبر عنها في الدائرة أو أكثر، ليعود المشرع الحذق إلى تفعيلها في المادة 87 كغنيمة يتقاسمها الأوائل والأقوياء، فجاء نص المادة 86 كالتالي: "بالنسبة لكل دائرة انتخابية يكون المعامل الانتخابي الذي يؤخذ في الحسبان في توزيع المقاعد المطلوب شغلها هو حاصل قسمة عدد الأصوات المعبر عنها منقوصة، عند الاقتضاء، من الأصوات التي حصلت عليها القوائم التي لم تصل إلى الحد المذكور في الفقرة 2 من المادة 85 أعلاه، على عدد المقاعد المطلوب شغلها".
أرانب صغار الأحزاب تطارد الصيد للكبار
الإخراج النهائي البارع لهذا التزوير القانوني، تكفلت به المادة 87 التي جاء نصها بالكامل كما يلي: "يتم توزيع المقاعد على القائمة في إطار أحكام المواد 85 و86 حسب الكيفيات التالية:
1 يحدد المعامل الانتخابي في كل دائرة انتخابية وفق الشروط المبينة في المادة 86 من هذا القانون العضوي.
2 تحصل كل قائمة على عدد المقاعد بقدر عدد المراتب التي حصلت فيها على المعامل الانتخابي.
3 بعد توزيع المقاعد على القوائم التي حصلت على المعامل الانتخابي حسب الشروط المحددة في الفقرة السابقة، وترتب الأصوات الباقية التي حصلت عليها القوائم الفائزة بمقاعد، حسب أهمية عدد الأصوات التي حصلت عليها كل منها، وتوزع باقي المقاعد حسب الترتيب.."
مربط الفرص وبيت القصيد في هذه المادة العجيبة، يقرأ في الفقرة الثالثة منه، التي تقسم الجزء الأكبر من المقاعد حسب المعامل الانتخابي، الذي يحسب بعد إخراج أصوات القوائم التي لم تفز بخمسة في المئة، ثم تعود لتقسيم غنيمة القوائم الخاسرة على القوائم الفائزة الأولى، وكأن القوائم الصغيرة الكثيرة التي شجعت على المشاركة قد أوكل لها دور "مطارد الصيد" لصالح كبار الصيادين، وتحولت إلى ناخب كبير ينقل أصوات الناخبين لصالح الأقوى من القوائم المشاركة في الغنيمة.
كتلة الأصوات التي التهمها الثقب الأسود
لنتذكر أن الاستحقاق جرى بمشاركة 44 حزبا، أغلبها من الأحزاب الصغيرة، وأخرى حديثة النشأة، فضلا عن مشاركة أكثر من 183 قائمة حرة، تختلف في توزيعها من ولاية إلى أخرى، واحدة في ولاية مثل ولاية ميلة، فيما بلغت بولايتي تلمسان وجيجل خمس أو ست قوائم، مع أن القانون قد اشترط على القوائم الحرة جمع 14800 توقيع لكل مقعد.
النتائج التفصيلية التي أعلنها المجلس الدستوري، واعتمدت عليها لتوضيح التزوير القانوني، كانت ستفجر فضيحة حقيقية لو أنها تضمنت عدد الأصوات التي حصلت عليها القوائم المعنية بالفقرة الثانية من المادة 85، لأنه كان سيكتشف أن عددها يفوق عدد الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الكبيرة: جبهة التحرير التجمع، الأحزاب الإسلامية، جبهة القوى الاشتراكية، وحزب العمال، والتي لا تزيد عن 3201086 صوت، أي 34,28 في المئة من أصوات الناخبين المعبر عنها، وقد حصدت مشتركة 387 مقعد تعادل 83,76 في المئة من إجمالي مقاعد البرلمان. فأين ذهبت بقية الأصوات المعبر عنها حتى بعد خصم الأصوات الملغاة؟
تواطؤ الصفوة على تزوير إرادة العامة
قناعتي أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال تزوير نتائج الانتخابات، مع قانون يمنح المشاركين نسخة طبقا لأصل عن محاضر الفرز، إلا إذا كانت الأحزاب قد عجزت عن توفير مراقبين لها في جميع المكاتب، وقد رأينا كيف أن جبهة الإنقاذ قد سبقت سنة 1991 وزارة الداخلية بإعلان نتائج دقيقة، انطلاقا من تجميع المحاضر، لم يكن بوسع الوزارة تزويرها حتى مع غياب الرقابة القضائية وقتها.
والحال، يكون لزاما أن يطرح السؤال التالي على الأحزاب المحتجة: هل كانت على دراية بما يتضمنه قانون الانتخابات من فرص عظيمة لتحقيق التزوير القانوني القبلي كما هو موضح أعلاه؟ وهي بين خيارين: إما أنها كانت تعلم، وراهنت على ما كانت تعتقد أنها منحة وفرصة قد تشتغل لصالحها وتلكم مصيبة، أو أنها لم تكن تعلم، لأنها لا تقرأ، وإن قرأت لا تعقل، وتلكم عندئذ مصيبة أعظم.