تحول
تحصيل العلم وتعلُّمه في حياتنا من العبادة إلى الشهادة:
ـ فعندما
تعلمنا أن العلم تحصيل عبادة، وأن مجلس علم خير من عبادة سبعين سنة، حملنا مشعل
الحضارة تنفيذاً وطاعة وتسليماً لأمر ربنا سبحانه وتعالى: )اقرأ
(،ومن فهمنا
لديننا لم تكن قراءتنا قراءة حب في السيادة والقيادة الطاغية، بل كانت قراءة قوم
بعثهم الله لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
ـ لقد كانت
قراءتنا قراءة موجهة أخلاقياً هادفاً سامية المقصد، فهي قراءة باسم الله رب كل شيء
ومليكه، وعلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق هي
قراءة عباد أيقنوا وامتثلوا لأمر ربهم الذي قال لهم: )اقرأ باسم
ربك الذي خلق (ولم تكن
قراءتنا قراءة كهنوتية انعزالية، بل كانت قراءة علمية تقنية واعية فهي قراءة
)باسم ربك
الذي خلق، خلق الإنسان من علق (فكانت هذا
الآية أول توجيه رباني للمسلمين بأن تكون قراءتهم قراءة علم، ودراية وفقه
)فالعَلَق
(كما نعلم هي
البويضة المخصَّبة عندما تعْلَق بجدار الرحم، ومن هنا انطلق المسلمون في حياتهم
العلمية انطلاقة واعية فاكتشفوا الدورة الدموية الصغرى، وصححوا نظريات الضوء والبصر
الخاطئة، ومارسوا التشريح وصنعوا أدواته وصنفوا مصنفاته، ودرسوا علوم التصنيف
والبيئة والبلدان والأجناس وغدى العلم النافع هو الشغل الشاغل حتى لعوام المسلمين
فألف الجزار، والخياط، والحداد، والبنَّاء، والصياد، والفسخاني كتباً علمية أبهرت
البشرية، وأنارت لها حياتها العلمية.
ـ وعندما
استيقن المسلمون أن تحصيل العلم ونشره عبادة، أوقفوا أموالهم على بناء المؤسسات
العلمية والتربوية، وبنوا المدارس، والرُّبط، والمحاضر، والمكاتب، وشيدوا المكتبات،
ودور الحكمة والبيمارستانات (أي: المصحات)، وشاركت المرأة المسلمة بأموالها وجهودها
في الوقف التعليمي، وانتشرت دكاكين الوراقين والنسَّاخين، ووزنت بعض الكتب بالذهب،
وتبنّى الخلفاءُ والأمراء والوجهاء والأعيان والأغنياء رعاية المتعلمين؛ كل هذا
قناعة من المسلمين أن تحصيل العلم وتعلمه عبادة