حياكم الله اهل منتدانا
حلم بسيط
اذكر أني استيقظت يوما على نداء ابنتي الخافت قائلة انهض يا ابي فقد حان موعد الذهاب للعمل ’فحملت اثقالي على كتفي ونهضت أنا الذي تعود السهر لفائدة او لغيرها.....
فذهبت الى الحمام لاغتسل فإذا بالماء في الحنفية ولم احتج الى استعمال خزان المياه الذي يحدث ضجة ربما ساءت الجيران والنائمين’بعدها دخلت المطبخ فاذا بفطور الصباح ينتظر وامامه ثلاث جرائد بثلاث لغات فقلت في نفسي عجبا من آتانا بها في الصبح الباكر... واذا بزوجتي تخبرني ان فاتورة بائع الحليب وبائع الجرائد الشهرية في غرفة الاستقبال فزاد تعجبي مما فهمت ... فسألتها ومنذ متى يأتينا بائع الحليب او الجرائد؟؟؟؟ فنظرت الي وكأنها تقول لاشك ان النوم لازال غالبك لطول السهر......
شربت حليبي مع بنتي وتفحصت الجريدة تفحص المسرع وخرجت من البيت فكانت دهشتي أعظم......
اين هي الخربشة التي ألفناها على جدران العمارة ’أين أسماء الأولاد والبنات وكل من مر من هنا يوما ما....أين أرقام الهواتف و أين آبيات الشعر المترامية هنا وهناك ..... لقد غابت وحل محلها ألوان زاهية ,في كل طابق لون معين يروي حكاية تاريخية او حضارية معينة وفي أسفلها حكم من روائع الأدب الإنساني...
تمالكت نفسي واستعدت بالله وأكملت مسيري حتى خرجنا من العمارة فراعتني تحية الأولاد لي بكل أدب,وأدهشني لباسهم الموحد حسب سن تمدرسهم حتى اني لاحظت الان فقط ان ابنتي بلباس اقرانها , فنظرت ألي مستغربة وقالت :ماذا بك يا أبتي؟؟
قلت لها الا ترين تلك الحديقة الغناء وسط الحي؟؟؟ فقالت وما بها هذه ثمرة مشاركة وتعاون سكان الحي في انجازها والسهر على الحفاظ عليها...
فصمت لا ادري ماذا حل بي ولكني أكملت طريقي لأوصل ابنتي الى مدرستها
في هذا الطريق المعبد ,وفي حوافه الخضرة من عشب طبيعي وأزهار كدت أتيه لولا ابنتي ...... فقد تعودت على بعض الحفر التي لا يكاد ينجو منها احد وعلى بعض الحجارة المتفرقة هنا وهناك تحكي قصص التائهين مثلي ......
نعم لقد تعودت على بعض الأشواك التي لأجلها اخشوشنت رغما عني وانا صغير ,,, و""كبرت انا ولم يكبر هذا الصغير الذي بداخلي""(كلام للشاعر تميم البرغوثي)
قادتني ابنتي على رصيف نظيف اخذت احدق باحثا على بقايا سيجارة او ساشية نيلو او قشور بنان او رفعة شمة(اعذروني على هذا الاسلوب الوقح بهذا المستوى) لكن من غير جدوى تكاد ترتد اليك صورتك من شدة نظافة المكان ,وقفت برهة اتفقد الراجلين وكيفية عبورهم للطريق ,(نحن الذين تعودنا المرور فوق ممر الراجلين فقط في الدول الغربية) فرابت الكل ينتظر الشارة الخضراء عند توقف كل السيارات للعبور ورايت سيارات تسير ببطء فيه سرعة, يخيل اليك ان الكل يعرف قصده وليس لديه وقت ’ لا ادري كيف يفعلون هذا و لا ادري كيف يعطونك هذا الإحساس ...
وكان ان مررنا بجانب مقهى لم اكد ألاحظ احدا بداخله ماعدا عجوزان يتسامران أطراف الحديث امامها فنجاني قهوة او شاي لا اذكر وبينهما رقعة شطرنج... واخر هناك يحمل جريدة ,,,, هالني مرة أخرى الأمر و طلبت من ابنتي ان تنتظر دقيقة ودخلت على جناح السرعة للمقهى الذي تنبعث منه رائحة القهوة الزكية وعود غنبر يحترق هناك ,,,,, لا اثر للدخان’؟؟؟ لا اثر لتلك الغمامة التي تعودناها في مقاهينا ,في مطاعمنا بل والله في مستشفياتنا.....
قلت لصاحب المقهى اين الناس؟؟ فنظر الي وقال : يا سيدي الا تعمل ان الوقت يداهمك... ففهمت ان الناس في أعمالهم وانا المتأخر.. ما هذا؟؟
وصلت بانتي الى المدرسة مسرعا فقد عرفت اني متاخر عن العمل اليوم وشوارع المدينة شبه فارغة (اين من كان ابي يسمهيم بدارجته الفقامة :ثلاث نقاط على القاف ’,,, لم ابحث في معناها ولم اعرف لها اصلا يوما ولكني فهمت انه يعني بهم من يطيل الجلوس والنظر في الطرق...)
دخلنا للمدرسة فرأيت ألوانا زاهية وتلاميذ في صفوف مرفرفة وأرضية مدرستهم كأنها الزرابي المبثوثة ولباس المعلمين كأنه الحرير والسندس ووجدت القلة من الأولياء يبدون في عجلة من أمرهم.... إلا صاحبكم لم يعي ما يرى ؟؟,,,,,
دخلت حجرة لأرى فرأيت ما لا عين رأت في دنيا بلادنا ولا أذن سمعت’ رأيت كمبيوترات موضوعة وكراريس وكتب مصفوفة...
خرجت مسرعا ,واستعذت مجددا وقلت علي احلم؟؟ وبأصابعي فركت وجهي فوجدتني مستيقظا ’ فلست بالنائم ,,,,
مشيت الى مستودع سيارتي فرايت أناسا يصطفون في دور شبه طويل ,,, فقلت عله الحليب او الخبز ..وسبحت الله قائلا حتى في هذا الصباح (لاشان)؟؟؟
فدنوت وسالت احد المتخلفين في الدور والذي كان يضرب يدا بيد ويقول( واسفاه راحت عليا) :علاه راهو كاين لا شان صباح ربي ’ غير الخير ؟؟؟؟ (فقد تعودنا ان نسال عن هذا الرفيق لاشان في حياتنا علنا نمسك دورا ايضا,,,,,,
فقال لي :اتستهزأ بي ؟؟؟
فقلت :معاذ الله ان اكون من المستهزئين ’
فقال الم تقرأ الاعلان فوق؟؟؟ فنظرت فاذا بي أمام مكتبة و هناك إعلان عن كتاب مهم يتحدث عن النهضة, شروطها وأسبابها سوف يباع مع الإهداء وصاحبي يقول لم تبقى الا عشر نسخ فقد بيعت عن اخرها قبل الفجر ....
فصرخت قائلا ماااااااااااااااذا بكم؟؟؟؟؟ ورمقني شيخ كان في لاشان بنظرة فهمت منها ان امسك مكانا في الدور او ان اذهب في طريقي ,فانتكست على عقبي ...... ,انا لست متعودا على لاشان من اجل كتاب...............
اخرجت سيارتي وشغلت المذياع على القنوات الفرنسية كالعادة فإذا بي اسمع في إحداها ان العلاقات الجزائرية الفرنسية ساءت مؤخرا لان الرئيس الجزائري أوحى للبرلمان بسن قانون تجريم الاستعمار والمطالبة بتعويضات كبيرة وان الجزائر تهدد بقطع إمداداتها النفطية عن كل أوروبا في مرحلة أولى وقد تلجأ لقطع تعاملاتها الاقتصادية مع فرنسا خصيصا وقال المعلق أن النفط أصبح سلاحا بسيطا مقارنة بقوة الصناعة والفلاحة الجزائرية في هذه السنوات....
فأسرعت لتغيير القناة الى الوطنية واذا بي اسمع دكتورا وفيلسوفا يتحدث عن اسباب نهضة الجزائر وطريقة الحفاظ على هده الرتبة بين الامم.... غيرت الى قناة اخرى فاذا بها مسابقة ثقافية جامعية ,,,, الى أخرى فاذا بهم يتحدثون عن اثر الفن الراقي في حضارة الانسان غيرت وغيرت وغيرت ,,,,, اين الاغاني التي لا تكاد تنتهي الا واتوا بغيرها ؟؟ اين نشرة الاخبار التي تسبح بحمد الرؤساء والوزراء ولولاهم لما كان لنا وجود ’ أين ما يطلبه المستمعين من مواد تنويم للعقل وللحيوان(حاشاكم) ....اين وأين وأين ,,,,,,
سمعت ايضا أن الرئيس الجزائري اعلن انه لن يترشح لعهدة ثانية كما هو مقرر في الدستور وانه يرى ان غيره انفع للأمة وانه أدى ماعليه, كما انه شوهد البارحة من غير حرس وهو يجول ويصول في ملتقى الفكر ويحاول الحصول على إمضاء بعض العلماء والمفكرين الكبار,,, بل وكان من اوئل زوار صالون الكتاب الدولي الذي منعت فيه كتب الطبخ والشطيح والرديح والشعوذة باسم الدين والتخلف كما ان السيد الرئيس يريد ان يجري استفتاء شعبي عن مدة ساعات العمل فمعدل عمل الجزائري الاسبوعي لا يقل عن 45 ساعة ....
و عندها أدركت اني في عالم ليس بعالمي وزمان ليس بزماني ووجدت بنتي فوق راسي تقول لي يا أبتي (تروح تخدم اليوم والا ماتروحش كيما البارح....)
وانتم؟؟؟؟