في جو جنائزي مهيب، ووري أمس، جثمان الرمز، عبد
الحميد مهري، الثـرى، بمقبرة سيدي يحيى بالعاصمة، بحضور ''قياسي''
للشخصيات الوطنية والسياسية، التي جاءت لتوديع ابن الثورة وأب السياسة في
الجزائر، في جنازة ''رئاسية'' ينقصها فقط ''البروتوكول''.
بلغ السواد مقبرة سيدي يحيى بحيدرة، عصر أمس،
قبل أن يصل جثمان الفقيد ''سي عبد الحميد''، حيث أقيمت صلاة الجنازة في
مسجد مجاور، بابه يقابل باب المقبرة، والمسافة التي بينهما لا تتعدى أربعين
مترا.
تجمّع عدد قياسي من الشخصيات السياسية والوطنية
ورؤساء أحزاب سياسية، ومواطنون بسطاء على حافتي الطرق المؤدية إلى
المقبرة، في انتظار وصول جثمان ''سي عبد الحميد'' الذي وافته المنية صباح
أول أمس، بمستشفى عين النعجة، إثر مرض عضال، واستبق مئات الحضور الموعد
الرسمي لمراسم الدفن بساعات، وتراصوا أمام مدخل المقبرة، على جنبات مدخل
توزع فيه أعوان الشرطة والحماية المدنية، بشكل أعاق توقف سيارات مسؤولي
الدولة، واضطر عدد كبير منهم إلى الدخول بسياراتهم إلى عمق المقبرة.
وحضر جمع غفير جدا من رفاق المرحوم، خلال
الثورة وما بعدما من مراحل تقلد فيها مهري المسؤولية ''الأفالانية
والرسمية''، فالتحق كل من الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، ورئيس مجلس
الدولة سابقا، علي كافي، وزميله في المجلس علي هارون، ورئيس الحكومة الأسبق
مولود حمروش، والوزير الأسبق للدفاع خالد نزار، ومدير ديوان الرئيس
بوتفليقة، مولاي قنديل. كما حضر رئيس حركة ''الوفاء'' سابقا، أحمد طالب
الإبراهيمي، مع رئيس حزب الحرية والعدالة، محمد السعيد، ورئيس جبهة العدالة
والتنمية عبد الله جاب الله. وأعقب التحاق هؤلاء رئيس المجلس الدستوري
بوعلام بسايح، ثم رئيس المجلس الشعبي الوطني عبد العزيز زياري، الذي دخل
المقبرة دقائق قبل وصول رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، مع وزراء في
الحكومة
اجتمع ''التضاد'' السياسي، الماضي والحاضر، في
سيدي يحيى أمس، وشيّعت الجنازة بألوان ''أفالانية''، فظهر علي بن فليس،
الأمين العام السابق للأفالان، على بعد أمتار من بوعلام بن حمودة، الذي
تولى مقاليد الأفالان، إثر انقلاب علمي على مهري عام 1996، ليزاح من منصبه،
سنة 1999، لفائدة علي بن فليس، وبين الثنائي، كان يتراءى من بعيد، حشد من
الشخصيات منهم من عارض ''سي عبد الحميد'' الشخص، قبل أن يعارضوا مهري
المنهج والمسار، ومنهم من كان ينتمي إلى ''جوق'' الانقلاب العلمي، لكنهم
اليوم، تبادلوا ''مآثره ومناقبه''.
شيّع جثمان مهري الموصوف بـ''التاريخ ذي
القدمين''، ونادر الثوريين، الذين إذا وقف أمامهم مؤرخ تصبب عرقا، خجلا من
موسوعة أمامه، في جنازة ''رئاسية'' بدون بروتوكولات، إلا ما تعلق بسيارة
إسعاف، وبعض من رجال الحماية المدنية والشرطة، وإن حزن الكثير من الحضور
لفراق ''أب السياسة''، لكن الكثير، أيضا، لم تظهر عليهم مظاهر ''حزن''،
ربما لأن الرجل ''كفى ووفى''، وبالنظر إلى أن مواقفه الشجاعة وهو حي، أعتى
من أن يحزنوا عليه، لكن ما لوحظ أمس، بمقبرة سيدي يحيى، جعل الكثير من
الحضور مشدوهين أمام منظر العدد معتبر جدا ممن كانوا بالمكان، وإن أتت بهم
الجنازة، لكن مآربهم كانت ''ظاهرة''، وفي مشهد قد لا يحدث إلا في الجزائر،
تشكل طابور من مسؤولين، سياسيين وتنفيذيين، في مدخل المقبرة، وبمجرد نزول
شقيق الرئيس، سعيد بوتفليقة من سيارته، حتى هرولوا نحوه، في لوحة ظاهرها
تقديم العزاء ''هو معني بتقديمه أيضا''، وباطنها ''مآرب'' يمكن فهمها بمجرد
ما نتذكر أن الجزائر على موعد مع انتخابات، وربما تغييرات في المواقع، في
الأفق.
وحوّل الكثير من الناس المقبرة إلى فضاء لطرح
الانشغالات على الوزراء، فولد قابلية صُدم بمجموعة من الأشخاص، بدوا من
أحزاب جديدة، ربما لم تتحصل على الاعتماد بعد، يسيرون وراءه ويكلمونه، وهو
بالذات توجه إلى مناضل حقوق الإنسان، علي يحيى عبد النور، ليلقي عليه
التحية، لما كان وسط جمع من الصحفيين يذكر خصال ''سي عبد الحميد''، فقابل
عبد النور ولد قابلية وقال له بالحرف: ''إن الجزائريين بحاجة إلى المساواة،
بحاجة إلى تكريس المواطنة''، فرد عليه الوزير ''نعم، نعم''، متوجها نحو
المكان المخصص للوزراء. وقال عبد النور في الراحل مهري: ''إنه رجل مخلص،
رجل حوار''، الوصف ذاته، أطلقه رئيس حركة ''الوفاء'' سابقا، أحمد طالب
الإبراهيمي، الذي اغرورقت عيناه، وهو يسرد مسيرة رجل فكر وثقافة وسياسة
ودولة، اسمه عبد الحميد، فقال ''كان أخا عزيزا وسفيرا جديرا، كان من
القلائل الذين اتسموا بالتوازن النفسي والأخلاقي.. حقيقة افتقدته
الجزائر''.
شهادة الإبراهيمي كانت جلية في ''موزاييك
سياسي'' حاضر، جسدته ''مقبرة''، جمعت وطنيين بيساريين وديمقراطيين
بإسلاميين ''أصحاب اللحى''، لم يعارض مهري التحاور معهم، لما كانت الجزائر
تهوى إلى الدم والدمار، مطلع التسعينات.. مواقف دفع عبد الحميد ثمنها
غاليا، بإقصائه من المشهد السياسي، ليحيل نفسه على النضال ''الفكري'' في
الموسوعة الوطنية والعربية.
تأبينية الراحل مهري قرأها الأمين العام لمنظمة
المجاهدين، سعيد عبادو، الذي كان صريحا في موقفه، فقال إن عبد الحميد قدم
الكثير خلال المأساة الوطنية ودفع ثمن مواقفه ''وبعد وفاته ظهر أنه على
حق''. وقبل ذلك، قال عبادو في مهري: ''تبنى الحوار أسلوبا لحل القضايا
الوطنية والعربية خلال تسعينات القرن الماضي، وقد أثبتت الوقائع صواب
اختياره الدقيق.. الفقيد كان أرشيفا.. ما أفدح هذه الخسارة''.
رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالحمهري كان موثقا لوقائع هامة في تاريخ الجزائر الحديث قال رئيس مجلس الأمة، السيد عبد القادر بن
صالح، إن المرحوم عبد الحميد مهري ''كان شاهدا وموثقا ساهم في إلقاء أضواء
هامة على العديد من الوقائع في تاريخ الجزائر الحديث''، مضيفا أن الفقيد
''لم يكن فقط فاعلا في أحداث ومراحل من النضال الوطني والكفاح الثوري
المرير''. ونوه السيد بن صالح، في برقية تعزية بعثها إلى أسرة الفقيد
بـ''المساهمات الثمينة للفقيد في إبراز تاريخنا الوطني الحديث والتي كانت
محل تقدير واحترام''. كما أثنى السيد بن صالح على ''الإنجازات الثرية
والحافلة التي حققها المناضل والمسؤول والسياسي المتميز والمثقف عبد الحميد
مهري''، مشيدا في نفس الوقت بـ''الخصال الحميدة التي تميز بها طيلة
حياته''.
رئيس المجلس الدستوري بوعلام بسايحالجزائر فقدت بوفاة عبد الحميد مهري أحد رجالها الأخيار ذكر رئيس المجلس الدستوري، السيد بوعلام
بسايح، أن الجزائر بوفاة عبد الحميد مهري فقدت ''أحد رجالها الأخيار الذين
تفانوا لسنوات طوال في أداء الواجب الوطني بإخلاص''. وقال في برقية تعزية
بعث بها إلى أسرة الفقيد، إن الجزائر فقدت برحيل عبد الحميد مهري ''شخصية
تاريخية لامعة وأحد رجالاتها الأعلام الأخيار الذي تفانى لسنوات طوال في
أداء الواجب الوطني بإخلاص واقتدار بقناعة صادقة وأخلاق رفيعة، عبر مختلف
مواقع النضال والمسؤولية السامية التي تولاها خلال مرحلتي التحرير والتشييد
في خدمة الوطن العزيز، فكان جديرا بكل المحبة والتقدير والاحترام''.
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين رحيل مهري هو رحيل صديق للثورة الفلسطينية إن رحيل مهري هو رحيل صديق للثورة الفلسطينية
وللجبهة التي كانت له معنا نضالات، لقد بنينا علاقات نضال عربي ووطني مشترك
بين الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وجبهة التحرير الوطني، لقد أعطى
مهري عمره مناضلا في صفوف حزب الشعب الجزائري والثورة الجزائرية، ونحو
جزائر تقدمية ووحدة المغرب العربي الكبير، وتحرير فلسطين وحق الشعوب
العربية في الحرية والديمقراطية والعدالة، فللذاكر الذكر الحميد، وخير
العزاء جمع تاريخه وكتاباته في خدمة الجزائر والشعوب العربية.
وقفة ترحم على مهري في مؤتمر التعاون الإسلامي بأندونيسيا أدى الوفد الجزائري بقيادة رئيس كتلة جبهة
التحرير الوطني في البرلمان، العياشي دعدوعة، ووفود الدول المغاربية
المشاركة في أعمال الدورة السابعة لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء في
منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في ''باليمبانغ'' بأندونيسيا، وقفة ترحم
وتلاوة للفاتحة على روح الفقيد عبد الحميد مهري، وتعزية الجزائر وأسرة
الفقيد والأمة العربية والإسلامية
يمكنكم القراءة على الرابط التالي ليومية الخبر http://www.elkhabar.com/ar/politique/278937.html