إشراق مميز تجاوز المئتان نجمتان
عدد المساهمات : 206 تاريخ التسجيل : 02/01/2012 العمر : 45
| موضوع: ابن خلدون والحكم .. أو غياب الشعب والعدل السبت فبراير 04, 2012 3:38 pm | |
| [/img] ابن خلدون والحكم .. أو غياب الشعب والعدل يقول لي صديقي بعد نقاش طويل وعاصف حول أولوية إصلاح المجتمع أم السلطة: يبدو أننا نعتمد قوالب غربية بشكل مفرط ومن غير النظر في إمكانية تكييفها مع واقع مجتمعنا من عدمه. وهو بذلك طرح مشكلة منهجية غاية في الأهمية. ولكن ينبغي توضيح التالي: في الكتابة بشكل عام هناك ثلاثة أنواع منهجية وهي البرهانية والجدلية والخطابية. البرهانية هي كتابة أكاديمية في الغالب والخطابية للسياسيين والإيديولوجيين أما الجدلية فهي الصفة الغالبة على الكتابة الإعلامية. وفي كل الأحوال فالكتابة الإعلامية لا يمكن أن تكون إلا في حالات محدودة جدا برهانية أكاديمية، حتى وإن لم تهمل الأعمال الأكاديمية، ولكن الملاحظ أن القارئ ميال أكثر في الكتابة الإعلامية للتعبير عن اهتماماته في بعدها الآني والجدلي. المشكلة الكبرى كما قلت لصديقي في هذا الحوار الشيق أننا توقفنا عن مناقشة قضايانا وبكل المناهج، السلطة منعت كل تفكير يخرج عن مستلزمات إدارتها للوضع واستدامته بل أنها عمدت وبشكل منهجي لكسر القدرة على التفكير خاصة في إشكالية الدولة والسلطة وتعطيل كل إمكانية للتنظيم والانتظام. على العموم في موضوع الدولة والحكم دعنا نعود، ما دام حاضرنا عقيم، لأحد أهم علمائنا لنرى بوضوح أنه يطرح الإشكالية بشكل لا يختلف كثيرا عنه اليوم إنه يحدد أطراف معادلة الحكم ويحدد العلاقة التي ينبغي أن تقوم بينها. عبد الرحمن بن خلدون يقول في هذا الصدد: "..المُلك بالجند والجند بالمال والمال بالخراج والخراج بالعمارة والعمارة بالعدل والعدل بإصلاح العُمّال (أي الإدارة بتعبير اليوم وبشكل أخص إدارة الضرائب) وإصلاح العُمّال باستقامة الوزراء ورأس الكل بافتقاد المَلك حال رعيته بنفسه ( أي تفقد أحوال الناس) واقتداره على تأديبها حتى يملكها ولا تملكه.." في ما أورده ابن خلدون حديث عن أطراف أربعة، المُلك والجند، المال والرعية. على أن تكون العلاقة بين هذه الأطراف قائمة على العدل وعلى محاربة فساد الوزراء، أي السلطة، لأنه لا صلاح للإدارة والعاملين فيها إذا كان رأس السلطة فاسدا. والملاحظ أن ابن خلدون ربط بوضوح العدل " بإصلاح العُمّال" أي بلغة اليوم إصلاح الإدارة، بل أكثر من هذا كلما تمعنا علم الاجتماع الخلدوني كلما استنتجنا أنه يربط استمرار الحكم بالعدل وبالشرعية. والواقع أن الأمر منطقي فلا شرعية إذا غاب العدل ولا شرعية إذا تخلى صاحب المُلك، الحاكم أو الحكام عن خدمة الرعية، الشعب. كل ما تنبه له هذه الحكمة نراه واقعا بشكل عكسي في الكثير من المجتمعات العربية. إذن الطرف المغيب حتى اليوم في المعادلة هو الرعية الشعب وهناك اغتصاب لسيادته، ولا يمكن انتظار أي تغيير حقيقي يذكر من دون تغيير معادلة الحكم كليا. اليوم والبلدان العربية تعيش " الثورة" أو على الأقل الاحتجاج ودفع الحكام دفعا إلى التغيير، لا بد من التفكير من قبل النخب في أي دولة ينبغي بناؤها على أنقاض الدول الساقطة؟ ونرى بوضوح كامل أن هناك ثلاثة أطراف ظلت حاضرة دعنا نقول في معادلة السلطة في بلادنا وفي الكثير من بلدان العرب. فالحكم والجيوش والمال ظلت هي أسس العمل السلطوي. الحكم وبيروقراطياته المدنية والأمنية والنفط والبنك المركزي هي الوسائل المستخدمة منذ قيام الدولة ما بعد الكولونيالية. أما الشعب فقد ظل مغيبا، منذ حصول هذه البلدان على استقلالها، على الأقل عن الاستعمار في شكله القديم. فالدولة في الجزائر مثلا ظلت تعتمد أكثر ما تعتمد على الأجهزة البيروقراطية والأمنية وفي أحسن الأحوال على شرعية براغماتية تقوم على ما كان يسمى التوزيع، وغيبت في الغالب العمل السياسي، سواء في إطار المركزية الديمقراطية الشكلية أو في إطار التعددية الوهمية التي تمارس من قبل أجهزة عدد من التشكيلات التي تقوم بمهمة ما يمكن أن أسميه احتلال الهويات السياسية كلها. اليوم والسلطة ترفض التغيير الحقيقي ـ وهو وفق رؤية بن خلدون يقوم على تغيير معادلة الحكم وإقامة المعادلة التي يراها هو وتراها كل أفكار الدنيا إلا أصحاب الحكم عندنا وهي المعادلة التي يكون الشعب طرفا أصيلا فيها ـ فهي تقف موقفا كان متوقعا منها.. إنه منطق سلطوي متمسك بسلطويته إلى آخر رمق ممكن. لهذا فمن الأفضل لهذه السلطة وهذا النظام أن لا يفعل أي شيء لأنه لن ينتج إلا تشويها متواصلا حتى لذاته.[img] | |
|