د. أحمد طالب الإبراهيمى .. وموقفه المشرف بقلم:محمد عبده العباسى
تاريخ النشر : 2010-10-06
د.أحمد طالب الإبراهيمى .. وموقفه المشرف :
=-=-=-=
كان وزيراً فى أول حكومة شكلها الرئيس الجزائرى الراحل هوارى بومدين ، وظل يتفانى فى عمله بكل ثقة وجهد حتى فى عهد الرئيس بن جديد .
هو الوزير الدكتور أحمد طالب الإبراهيمى الذى عمل فى أول الأمر وزيراً للتعليم فى الجزائر واستطاع القيام بنهضة تعليمية كبيرة وأن يحمل على كاهله عبء تعريب التعليم وضرورة العمل لتوطيد أركانه بعد سنوات من الإحتلال الفرنسى الذى استمر جاثماً على صدر البلاد لمائة وعشرين عاماً استهدف محو الهوية والثقافة والقضاء على اللسان العربى فى الجزائر.
كان الإرث ضخماً وثقيلاً ولكن الرجال الذين يؤمنون بقضايا بلادهم جعلهم الله ذخراً لمثل هذه المواقف النضالية لا يأبهون بالتحديات بل عليهم العمل بكل صدق ..
فى عهده بوزارة التعلبم تضاعف عدد الطلاب فى الجزائر على مدى سبع سنوات انتهت بها ولاية الإبراهيمى كوزير للتعليم فى العام 1970 م لنحو ثلاثة أضعاف على ماكانت عليه فى السابق ، كما تم افتتاح جامعتين احداهما بشرقى البلاد فى قسنطينة والثانية فى وهران بغربى البلاد .
وفى العام 1970م أصبح الدكتور أحمد طالب الإبراهيمى وزيراً للإعلام والثقافة فحمل على عاتقه مهام كبرى وصدرت فى صحيفة النصر فى قسنطينة وصحيفة الجمهورية فى وهران عام 1971م ، ولم يقف به الأمر عند هذا الحد بل صدرت فى عهده مجلة الثقافة لتخاطب جمهور المثقفين فى البلاد وكذلك مجلة ألوان .
وقد كتب الوزير كتابه " مذكرات جزائرى : هاجس البناء" 1965/ 1978م مسجلاً فيه مدى التطور الذى حدث فى مجال الإعلام المرئى والمسموع فى الجزائر حتى وصل إلى أقاصى البلاد بحضرها وريفها وصحرائها .
ولعل الوزير الإبراهيمى لم يتركنا لنسبح فى عوالم عطائه وسعيه الدؤوب لإنجاز ما يحلم به من جزائر ترتفع فيها رايات الثقافة خفاقة عالية حتى يأتينا بموقف يضع المرء فيه فى موضع الدهشة ..
الوزير الواثق لم ينافق ولم يداهن الرئيس الراحل هوارى بومدين ، ولم يقف إلا فى صف الفن ولأدب فى موقف نبيل يحسب له .
فقد حدث أن قرأ الرئيس بومدين رواية " الزنجية والضابط " للروائى الجزائرى الكبير الطاهر وطار ، وكان للرئيس رأياً خاصاً فيها استدعى إبلاغ وزير الإعلام والثقافة بضروة اعداد الرد المناسب ليعيد الكاتب إلى جادة الصواب ..
لم ينفعل الوزير ويصدر أوامره على عجل بكل الوسائل الممكنة ، ولكنه تروى وتريث وقال للرئيس " بأن رقابة الدولة على الإعمال الأدبية والفنية ينتهى بها الأمر دائماً وأبداً إلى أن تنعكس بتأثيراتها السلبية عليها ".
وراح الوزير المثقف الواعى يضرب مثلاً بما حدث فى مصر زمن أن صادرت الرقابة فيها كتاب " الإسلام وأصول الحكم " للشيخ على عبد الرازق وأشار إلى أن الشاعر الفرنسى شارل بودلير قد طلبوا محاكمته فى فرنسا عندما نشر ديوانه " أزاهير الشر " وأن الروائى فلوبير تعرض لمحنة عندما كتب " مدام بوفارى "..
أكد الوزير بأن المصادرات والمحاكمات لم تقلل من شأن أصحاب هذه الكتب وقاماتهم بل زادتهم رفعة وقيمة ، وقال مستطرداً وهو يخاطب الرئيس :
ـ أرجوك أن تصدق بأنه بعد ثلاثين عاماً فإن كثيراً من الجزائريين سيتذكرون أسماء الوزراء الحاليين ، بل بالعكس من ذلك سوف يواصلون قراءة روايات الطاهر وطار ، والإعجاب بلوحات الفنان محمد راسم وترديد أغانى رابح درباسة . وفى النهاية فإن الفنون والآداب هى الوحيدة القادرة على قهر الموت.
هذا موقف مشرف لوزير بقامة أحمد طالب الإبراهيمى يستحق منا بحق كل الثناء وأن نرفع له القبعة محيين على جميل صنعه وموقفه المشرف الذى لم يتزعزع فيه قيد أنملة عن قول الحق أمام الرئيس الذى أعجب به تماماً لنبالة موقفه .
وأحمد طالب الإبراهيمى من الرجال الذين تسنموا العديد من المناصب القيادية فى بلاده وحمل من الحقائب الوزارية ما جعله فى المقدمة وظل على مدى سنوات عمره يعطى بكل جهد ، لم لا وهو الذى ينحدر من أسرة جزائرية عريقة فهو ابن الشيخ البشير الإبراهيمى الرئيس الأسبق لجمعية العلماء المسلمين فى الجزائر والذى اشتهر بنضاله ضد المستعمر الفرنسى .