موضوع: مدكرات احمد طالب الابراهيمي. الثلاثاء 20 يناير 2009 - 14:35
أسهب الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في الحديث عن علاقته بالرئيس الراحل هواري بومدين، في الجزء الثاني من مذكراته الذي صدر هذا الأسبوع عن منشورات القصبة بعنوان ''مذكرات جزائري.. هاجس البناء (1965 _ 1978). ونقرأ عبر هذه العلاقة التي اتصفت بالحميمة، صفحات مطولة عن طبيعة النظام السياسي الجزائري خلال هذه المرحلة الحاسمة، إذ توقف الدكتور طالب عند أهم الأحداث السياسية منذ انقلاب جوان 1965 إلى غاية رحيل الرئيس بومدين عام .1978
يحدد أحمد طالب في الفصل الرابع من مذكراته علاقته مع الرئيس بومدين، من زاوية كونها علاقة مهنية لا غير. وكتب انه لم يكن يطلب مقابلة الرئيس إلا في قضية ملحة هي ''خلاف مع زميل يقتضي تحكيمه هو''. وحسب طالب، فإن الرئيس بومدين كان يستقبله على وجه السرعة ملبيا أغلب طلباته لصالح التربية الوطنية ''بل إنه ما فتئ يحفز سياسة التعريب''.
وكان طالب يلح على بومدين إطلاق سراح حسين آيت الذي القي عليه القبض يوم 17 أكتوبر 1964، لكنه انزعج من المسألة. فعمل أحمد طالب بنصيحة بعض المقربين، فاتصل بمساعدي بومدين وهم ''قايد، مدغري، الشريف بلقاسم وبوتفليقة'' للتأثير على الرئيس بخصوص إطلاق صراح آيت أحمد. لكن الرد جاء من هؤلاء على الشكل التالي ''من الأفضل مخاطبة بومدين شخصيا''. وبقي الأمر عالقا. ولما فر آيت أحمد من سجنه يوم 30 أفريل 1966، قال بومدين لطالب '' تمنيت لو أصغيت إليك''.
تعاطف مع سيد قطب
كما تطرق طالب لمسألة أخرى خطيرة تتعلق بمسألة التعذيب، وكشف انه استقبل كلود روا سنة 1966، فأخبره أنه جاء للجزائر ''للاحتجاج على ممارسة التعذيب من قبل السلطات الجزائرية التي أنا جزء منها''. وسلم روا، وهو كاتب من الأقدام السود ناصر الثورة الجزائرية، لأحمد طالب ملفا عن الموضوع. اتصل الدكتور أحمد طالب ببومدين لكي يعبر له عن اشمئزازه، وعندما جرى اللقاء، قال بومدين لطالب ''إذا كان هناك من تجاوز في هذا الشأن فإنه يعود إلى أعوان ثانويين. ذلك أنني وقعت شخصيا على تعليمة موجهة لمصالح الأمن تمنع استخدام التعذيب''. ويضيف طالب أن بومدين أراه التعليمة. لكن طالب أصر على معاقبة الذين يمارسون التعذيب، فوعده الرئيس بأن يتخذ إجراءات بخصوص المسألة. وكتب طالب ''لم أتوقف عن القول لبومدين إن كل شيء ينجزه النظام من أجل رفع المستوى المادي والثقافي للشعب قد يمحوه أدنى مساس لحقوق الإنسان وأدنى عمل للتعذيب''.
وتوقف الدكتور أحمد طالب في ذات الفصل عند مسألة إعدام سيد قطب في أوت 1966 من قبل نظام عبد الناصر. كان لأحمد طالب رأي يسير في اتجاه التعاطف مع سيد قطب ضد عبد الناصر، لكن بومدين لامه على ما اعتبره انحيازا منه، لكنه اعترف (أي بومدين) في الوقت نفسه عن عدم وجود التناسب بين التهم الموجهة لقطب، والحكم الصادر في حقه.
ونقرأ في المذكرات أن العلاقة بين بومدين والدكتور طالب راحت تصطبغ شيئا فشيئا بالحميمية، فصار الرئيس يشارك وزيره في العديد من محادثاته مع الأجانب. وبعدها اقترح بومدين على طالب السكن في فيلا من بين عدد من الفيلات استرجعتها الدولة الجزائرية من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بعد تدهور العلاقة بين الجزائر وواشنطن عقب هزيمة جوان 1967، وكان الدكتور طالب يدفع أجرة الكراء لولاية الجزائر، فغادر شقته الصغيرة بتيلملي.
ومن بين الأحداث المثيرة التي يرويها الدكتور طالب في مذكراته، كيف تصرف بومدين خلال إبلاغه خبر وفاة والده في أوت .1966 كان يترأس اجتماع مجلس الوزراء. دخل مدير التشريفات عبد المجيد علاهم قاعة الاجتماع، وضع أمامه قصاصة من الورق. قراها بومدين، فاستمر في العمل مع وزرائه. وبعد الاجتماع أخبر علاهم الوزراء بأن القصاصة كتب عليها خبر وفاة والد الرئيس بومدين. وفي العشية اتصل بومدين بالدكتور طالب، فطلب منه الحضور للقائه في صباح اليوم التالي، وحين جرى اللقاء قال بومدين ''اعترف أنني تسببت لوالدي في العديد من المشاكل أثناء مراهقتي. ولاستعطافه كان لدي سلاح وحيد فعال دائما وأبدا: كنت أتلو عليه بعض الآيات القرآنية، وإذا بوجهه يتهلل وتنتشر عليه دلائل السعادة''.
كما أخبر بومدين الدكتور طالب بأنه أعطى تعليمات للأمن الرئاسي لكي لا تتجاوز مراسيم الدفن الإطار العائلي، دون وفود رسمية أو ضجيج إعلامي.
وفي أوت 1967 دار حديث بالشريعة (تبسة) بين طالب وسعيد عبيد بخصوص صلاحيات مجلس الثورة. وبحسب الدكتور طالب، فإن سعيد عبيد كان منزعجا من تصرفات بومدين الذي لم يكن يعير باللانتقادات التي ترتفع من كل جهة حيال بعض معاوني الرئيس. ويروي طالب انه اعترف بصواب بعض تلك الانتقادات، فوعد سعيد عبيد بالحديث مع بومدين بشأن المسألة. وفيما بعد علم أحمد طالب بأن الطاهر الزبيري قائد أركان الجيش، كان مستاء بدوره من بومدين. وكان الزبيري قد أخبر طالب أن سبب الاستياء يكمن في أن بومدين عين بن يحيي وزيرا للإعلام بعد ذهاب بشير بومعزة، دون أن يستشير مجلس الثورة. وكتب طالب الذي سمع هذا الكلام على لسان الزبيري شخصيا ''وعلى الرغم من كل ما سمعته، ما أحسست بأنه يجري تحضير شيء ما''.
توقيت الإطاحة ببن بلة لم يكن مواتيا
وبعد حديثه عن وقوع الانقلاب الفاشل ضد بومدين في ديسمبر 1967، ومصرع سعيد عبيد بصورة مفجعة وفرار الزبيري، تطرق لمحاولة الاغتيال التي دبرت ضد الرئيس. وكتب طالب ''هذه الحوادث المأسوية تبين أن مسألة السلطة لم تحسم إلا عام .1968 حقا، لقد حل مجلس الثورة الذي هو الجهاز المركزي للمؤسسات الجديدة، محل الهيئات العليا للحزب (اللجنة المركزية والمكتب السياسي) في انتظار إصدار الدستور الجديد وعقد مؤتمر جبهة التحرير الوطني''.
وبحسب الدكتور طالب، فان مجلس الثورة لم يكن متجانسا، بل كان عبارة عن ''تحالف من عناصر متنافرة بدا أن نقطة واحدة تجمع فيما بينها عشية 19 جوان 1965، وهي إنقاذ الثورة الجزائرية من الانحراف وإعادة إقرار الشرعية الثورية''.
كما تكشف تشكيلة المجلس، حسب أحمد طالب، عن شيء آخر ''فمن بين الأعضاء الستة والعشرين، كان هناك حول العقيد بومدين 23 عسكريا من العساكر القدامى. وذلك يعني أننا كنا أبعد ما نكون عن أولوية ما هو سياسي على ما هو عسكري''.
كما أن بومدين، حسب الدكتور طالب، كان محل انتقادات من أعضاء مجلس الثورة، بسبب غياب التشاور، ''ووقوعه سجينا لمجموعة وجدة (قايد أحمد، مدغري، بوتفليقة، وشريف بلقاسم)، مما أدى إلى انسحاب علي منجلي وبومعزة ومحساس ثم المحاولة الانقلابية التي قادها الزبيري بمساندة يوسف الخطيب.
يجيب الدكتور طالب على هذا السؤال كالتالي ''وكان على هذا الأخير (يقصد بومدين) أن يجابه بعد ذلك خصومه السياسيين الذين أدانوا حركة 19 جوان داخل الجزائر (تجمع اليسار داخل منظمة سرية هي منظمة المقاومة الشعبية) وفي الخارج (حزب الثورة الاشتراكية لبوضياف، المنظمة السرية للثورة الجزائرية بقيادة البجاوي ثم الحركة من أجل الدفاع عن الثورة الجزائرية لكريم بلقاسم بداية من عام 1968 ).