لقد
أمرنا الله تعالى بفعل الخير والمسارعة فيه، كما أمرنا بالصّلاة الّتي هي
أوكد عُرَى الإسلام، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا
وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ} الحج .77 والخير في الإسلام يشمل كلّ عمل صالح، ويتناول كلّ
خُلق كريم، طاعةً لله عزَّ وجلَّ، وَحُباً في الفضائل في إخلاصٍ وصدقٍ
حسنٍ. فالخير من اللِّسان قولٌ جميلٌ، والخير عند البلاء صبرٌ جميلٌ،
والخير عند الخِلاف صفحٌ جميلٌ. والخيرُ أقوالٌ وأفعالٌ تغرس المحبّة،
وتورث المودة، وتوثق الروابط، نجدةٌ وإغاثةٌ، وتراحمٌ وملاطفةٌ، وإخلاصٌ
ووفاءٌ، مشاركةٌ في السّرّاء، ومواساة في الضرّاء، وكلّ هذه من الخيرات.
ومن الخيرات الّتي دعَا الإسلام إلى المسارعة فيها والحرص على فعلها، بعد
أن رسم منهجها وأوضح آدابها، حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وفي مثل ذلك
يقول عليه الصّلاة والسّلام: ''حق المسلم على المسلم ستٌ. قيل: ما هنَّ يا
رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك
فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّتْه، وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات
فاتبعه'' رواه البخاري. ومن بين هذه الحقوق حق يخفى على النّاس باختفاء
صاحبه ومن يُؤدَى إليه، فإذا كانت بعض الحقوق تضيع مع حضور أصحابها
ومطالبتهم بها، فكيف بالحق الّذي غُيّب صاحبه وافتُقد؟
لقد كان من أدب السّلف أنّهم إذا فقدوا أحدًا من إخوانهم أو جيرانهم سألوا
عنه، فإن كان غائباً دعوا له، وخلفوه خيراً في أهله، وإن كان حاضراً زاروه،
وإن كان مريضاً عادُوه. يقول الأعمش رحمه الله: كُنّا نقعد في المجلس،
فإذا فقدنا الرجل ثلاثة أيام سألنا عنه، فإن كان مريضًا عُدناه.
حفظُ الحق حين يكون أخوك في حالةٍ من العجز أمر مؤكّد، وحين يكون حبيس
المرض وقعيد الفراش وفي انقطاعٍ عن مشاركة الأصحاب يتأكّد حقّهُ وتتوجّب
عنايته، وهذا هو الشأن في حق المريض والسقيم، وقعيد الفراش والعليل. وقد
تكفّل الله بمساءلة العباد يوم القيامة عن حق المريض المُضاع، وذُكر أنّه
سبحانه يلوم الصحيح المِضياع، المفرّط في الأجر وعدم إجابة الربّ المُطاع.
ففي حديث قدسي، يقول الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة: ''يا بن آدم؛ مرضتُ فلم
تعُدني. قال: يا ربّ، كيف أعودك وأنت ربّ العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي
فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمتَ أنّك لو عُدته لوجدتني عنده؟'' رواه مسلم.
فكفى بهذه المساءلة توبيخًا وتقريعًا، وكفَى بها حسرة على فوات الأجر
والثواب في يوم يكون المرء أحوج إلى حسنة واحدة توضع في كفة حسناته، لعلها
تُرَجحها فيكونُ من الناجين بفضل ربّ العالمين.
أخرج الإمام مسلم عن ثوبان، رضي الله عنه، عن النّبيّ، صلّى الله عليه
وسلّم، قال: ''مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ.
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: جَنَاهَا
(أي ثمارها)'' رواه مسلم. ومن ثواب عيادة المريض ما جاء عن النّبيّ، صلّى
الله عليه وسلّم، أنّه قال: ''ما من مسلم يعود مسلمًا غدوةً، إلاّ صلّى
عليه سبعون ألف ملك حتّى يمسي، وإن عاده عشية، إلاّ صلّى عليه سبعون ألف
ملك حتّى يصبح، وكان له خريفٌ في الجنّة'' رواه أحمد. وفي حديث أبي هريرة،
رضي الله عنه، مرفوعًا: ''مَن عاد مريضًا ناداه منادٍ من السّماء: طبت وطاب
ممشاك، وتبوأت من الجنّة منزلاً'' أخرجه الترمذي.
فأين نحن مِن عيادة المريض، وزيارة السقيم، والسؤال عن الغائب المفتقد؟
<img ismap="ismap" border="0">