الإيديولوجيا هذا الفاعل المستتر ـ لـــ: الدكتور:بوزيد بومدين
تصفّح أيّ قاموس في علم الاجتماع للبحث عن تعريف للأيديولوجيا سيبدأ بإحدى التعريفات التقليدية وهي ''مجموع التصورات والأفكار التي تزيّف الواقع الحقيقي'' وهو ما أطلق عليه ''الوعي الزائف''، غير أن هذا التعريف السّلبي للمفهوم لم يبق سائداً في التطورات اللاّحقة للعلوم الاجتماعية والمجتمعات، وحين تتبّعنا الخطابات الحزبية في الأشهر الأخيرة سواء في بعض البلدان العربية أو في الجزائر نسمع ترديد العبارة التالية ''حزبنا ليس إيديولوجيا'' أي ''لم يبق للإيديولوجيا مكان في برامج الأحزاب'' ونحن نتساءل ماذا سيكون موقف هؤلاء حين مناقشة قوانين الدستور القادم أو حين تمرير قوانين لها علاقة بالشريعة الإسلامية واللغة والتاريخ، لا شكّ أنّ الذين يتبنّون الرؤية الإسلامية السياسية لن يردّدوا أنهم ''لا إيديولوجيين'' في مواجهة من يسمّونهم العلمانيين والحداثيين رغم قلّة هؤلاء وضعف وعائهم الانتخابي، أو حين تُطرح قضايا التعريب والهويّة والتاريخ مثل مسألة ''تجريم الاستعمار''، طبعاً إنها ''الإيديولوجيا المؤجلة'' في خطاب سياسة ''المرجئة الجدد''، ومما زاد ظاهرة إخفاء ما هو إيديولوجي هو الانسجام مع القوانين الدستورية التي تمنع قيام الأحزاب على أساس ديني أو لغوي أو عرقي ولكن سرعان ما سيظهر ذلك مستقبلاً ويحددّ التكتّلات ويرسم خريطة المواجهة، طبعاً مثل بعض الليبراليين الغربيين الذين يسّوقون ليبراليتهم عبر تجريدات لحقوق الإنسان والديمقراطية وهي تخفي أسسها العقدية والفلسفية، أو تستعين بحركات التبشيريين الإنجيليين الجدد التي ترى في الصهيونية الحليف الاستراتيجي حين تحدثنا عن وهم ''اللإيديولوجيا'' بالنسبة للأحزاب في الجزائر نقصد التي تحمل المعنى الحقيقي لمفهوم الحزب أما التي ظهرت وستظهر مثل ''غُثاء السّيل'' لارتباطات وقتية أو مصلحية أو ريعية فقوّة الدولة ومؤسّساتها الدستورية والقانونية وتطور الوعي السياسي والحزبي هو الذي سيجعلها في حكم الزّوال، وهنا نريد أن نلفت الانتباه وهو أن تعميم وتعويم الأشياء يفقدها قيمتها الجوهرية وتخفي قيمة ما تحجبه مثل ''الطّحلب'' الذي يَخفي جمال الماء وصوته الخريري الغنائي، ولكم مثال في ألقاب الدكتور والباحث التي صارت نياشين للتزيين والافتخار بأرقامها في أجل الحصيلة السنوية، هكذا نمارس الإخفاء في السياسة والقيَم والمعرفة وسنجد مستقبلاً أنّ ''الفاعل'' ضمير مُستتر تقديره ''هو'' لـ''فعل'' قد نختلف عن إعرابه وقيمته.
جريدة الخبر الجزائرية: عدد يوم 26/03/2012