سيدي لخضر بن خلوف، أمير المرابطين ومؤلف القصائد الصوفية بمنطقة الظهرة، قصة أكثر من 100 سنة في مدح سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، وأصبحت قصائده بعد ذلك منبعا فيّاضا لكل الفنانين سواء في الطابع الأندلسي أو الشعبي. ضريح الولي الصالح، يستقبل العديد من الزوار الذين يقصدونه من كل مكان، ويخلّدون ذكراه من خلال قصائده التي بقيت حيّة رغم مرور قرون عن رحيله.
ضريح سيدي لخضر بن خلوف ليس قِبلة لسكان الظهرة فحسب، بل يقصدونه من جميع أرجاء الوطن ومن خارجه، حيث يحجون إليه من كل مكان وفي كل زمان، وأول ما يلفت الانتباه بمقام الولي الصالح، نخلته التي مازالت تحرسه رغم مرور قرون عديدة عن رحيله، أين يرقد الولي مع نخلته التي تطلع من الضريح حيث ثراه، باحثة عن السماء حيث روحه، لأنه من حدد مكان دفنه بوصية تركها لعائلته يقول فيها "النخلة المثبتة تلقح من بعد اليبوس .. حذاها يكون قبري يا مسلمين"، وغير بعيد عن المقام، توجد خيمة الشعر، أين كان يتعبد الولي الصالح في خلوته وفي مدح الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، كما توجد بعض الغرف وقبور بعض الصالحين من أحفاد الولي، إضافة إلى مكتبة، مسجد ومدرسة قرآنية لتعليم الأطفال كتاب الله، وقصائد الولي الصالح، وبالقرب من النخلة يوجد قبر الحاج محمد العلوي الإدريسي، العالم والولي الصالح المغربي الأصل، والذي طلب أن يتم دفنه بجانب الضريح.
سيدي لخضر بن خلوف .. من سلالة الشرفاء
ولد الولي الصالح سيدي لخضر بن خلوف واسمه الكامل لكحل بن عبد الله بن مخلوف، في أواخر القرن الثامن هجري، وتوفي في أوائل القرن العاشر للهجرة، وبالتالي فقد عاش كل القرن التاسع الهجري، حيث توفي عن عمر 125 سنة وستة أشهر، وهو من أصل مغربي من مدينة فاس، والتي ذكرها في إحدى قصائده قائلا: "أصلي مغراوي من جبل صرصار ليا تنهدا"، هو بكر والدته حيث جاءها الشيخ سيدي محمد لكحل، من أولياء الله الصالحين، وبشّرها بأنها ستُرزق بولد يكون لها من الصالحين، وطلب منها أن تمنحه اسم لكحل على اسمه، غير أن عمه أضاف له اسم لخضر، وهو الاسم الذي عرف به. تربى سيدي لخضر يتيم الأب، حيث رحل والده عنه وسنه لم يتجاوز العاشرة، الولي الصالح ينحدر من سلالة الشرفاء، إذ يعود نسبه إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأجداده "أبو عبد الله، بن موسى، بن عيسى، ابن السبطي، ابن إدريس، ابن إدريس الأكبر، ابن علي، ابن منصور"، ويدعى أبوه ابن عبد الله بن مخلوف، أما أمه "كلة" فهي ابنة الولي الصالح سيدي عفيف. عاش سيدي لخضر، وسط أسرة فقيرة، لم يتعلم القراءة والكتابة، وهو الذي يقول: "الطلبة تقرا في اللوح والمصاحف ولخضر بلا قلوم، أنا في الأرض والسما شقيت بحور، من يشمتني أش يعمل أش يجيب لي مقابل الدنيا كالرحى تغربل يا رب اليوم نزور قبرو بجاه النبي بلقاسم"، لكنه كان يداوم على الذهاب إلى المسجد لحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ سيدي محمد لكحل، وذات يوم وجده الشيخ جالسا في مكان لوحده ويرتل آيات قرآنية، فاستغرب لأمره وتأكد أن وراء الطفل سر ما، لذلك حاول اكتشافه فطلب منه أن يبقى رفقة أصدقائه لحراستهم، وكان غرض الشيخ مراقبة الطفل، فانبهر عندما وجده يحفظ القرآن عن ظهر قلب وعلّم أصحابه الكتابة والقراءة، فمسك الشيخ بيد الطفل وأرجعه إلى والدته رافضا تعليمه بحكم أن ابنها موهبة من الله تعالى، وليس بحاجة للقراءة. تزوج سيدي لخضر بن خلوف من امرأة تدعى "غنو"، ورزقه الله بأربعة أبناء وبنت "أحمد، محمد، أبو القاسم، الحبيب وحفصة"، ومن شدة حبه للنبي صلى الله عليه وسلم، سمى كل أبنائه عليه، وكان يسكن بخيمة مظفرة بالشعر لا تزال مشيّدة، ويقال بأن كل من يقصدها دعوته مستجابة لأنها المكان الذي كان يجلس فيه سيدي لخضر لمدح النبي وذكر الله تعالى.
زعيم الحروب بـ"السيف والدرقة"
واصل سيدي لخضر بن خلوف، حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ سيدي بويحيى، وفي عهد الأتراك حاول الانخراط في الصفوف العسكرية أثناء الدولة العثمانية، غير أنه كان لا يزال صغيرا، وكانت صفات الزعامة بادية عليه، وتمكن من الانخراط في صفوف جيوش الدولة العثمانية، وبدأ تدريباته، حيث ارتبط اسم سيدي لخضر بعدة حروب كان النصر فيها حليفهم، المعركة الأولى هي معركة "شرشال" التي كلفه فيها السلطان خير الدين، بتجنيد المقاتلين ودعوتهم إلى توحيد الصفوف للتصدي للعدو، أما المعركة الثانية والتي تعد منعرجا تاريخيا هاما وترك سيدي لخضر فيها بصمة قوية، هي معركة "مزغران" التي وقعت أحداثها يوم 22 أوت 1558، بعد أن تمكنت القوات الإسبانية من دخول منطقة مزغران، غير أن ذلك صادف عودة المجاهدين الذين كان يقودهم سيدي لخضر بن خلوف، ولم تدم المعركة طويلا حتى استسلمت سفن الغزاة وكانت الهزيمة. كما ترقّى سيدي لخضر، إلى رتبة "ماريشال" بعدما تمكن من قتل الجنرال الذي كان يقود المعركة، وهذه الحرب مدونة في قصائد سيدي لخضر، حيث إن شعره لم يقتصر على مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، بل شمل الحكمة والحماسة والفخر والتوحيد وحتى الحروب التي خاضها وكان بطلها، أما معركة "تنس" فانتهت قبل أن تبدأ، حيث لاذ الأعداء بالفرار عندما سمعوا بقوة هذا الرجل وجنوده.
بعد الحروب .. مدح الحبيب "محمد" عليه الصلاة والسلام
"40 سنة وأنا جاهل والباقي مشالي من المدح المبرور"، معنى البيت الشعري أن سيدي لخضر بن خلوف جرى به الزمن بسرعة وقضى 40 سنة من حياته في محاربة العدو وطرده، وما تبقى منها سيتركه لمدح الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، حيث انتقل إلى مدينة تلمسان بقصد القرب من الشيخ محمد عبد الحق بن عبد الرحمان بن عبد الله المعروف باسم سيدي بومدين، بهدف التعلم وتصفية الروح وتكريسها للعبادة. وتذكر بعض الروايات، أن الوالي الصالح سيدي بومدين الشعيب، كان له عظيم الأثر في نزعة لخضر بن خلوف الصوفية، وتوجيه ملكته الشعرية نحو مدح النبي عليه الصلاة والسلام، والذي يؤكد أنه رآه في المنام 99 مرة، وكان الولي الصالح، يخصص جميع وقته لمدح النبي وذكر الله في خيمة الشعر التي كان يسكنها، وهي مدونة في إحدى قصائده التي يقول فيها "85 سنة وأنا على الحبيب ذراعي، ما يخوفني سرار قلتة ولا دق الملازم، لخضر من سور بنعايم" ومعناها أنه واصل عند الله ومن كثرة حبه للنبي كان يتخيله في منامه. وذهب سيدي لخضر بن خلوف، إلى مكة ولم يؤد فريضة الحج، وبعد عودته جاءه النبي في خيمته بليلة الخميس، ومن شدة الحب الذي كان يكنّه له تمكن من لقائه حسب ما ذكر في القصيدة "سعدي بالنبي جا عندي، فالدار في خيمة الشعر، هذا نور محمد مصباح الدعا، سعدي بالنبي جا عندي 99 رؤية ومازال العاطي يعطي، في اليقظة شاهدنا جبريل، تعانقنا وتسالمنا"، وبعد ذلك طلبت "غنو"، زوجة سيدي لخضر، رؤية الرسول، ففعلت غير أنها أصبحت عمياء من شدة النور، وذكرت إحدى الروايات في إحدى قصائد سيدي لخضر، أن الرسول بشّره بأن زوجته ستفقد البصر إذا رأته، لكن "غنو" ستقوم بجميع الأعمال التي يقوم بها المُبصر، ويذكر أن زوجة سيدي لخضر، كانت عمياء وتتقن الخياطة.
"السدرة تتكلم و"جرادة" يتحرر
من أكثر الكرامات التي رواها الكثيرون عن سيدي لخضر بن خلوف، والتي بينت قيمته ومركزه، هي قصة "جرادة"، حيث يروى أنه كان هناك عبد جاهل يدعى "جرادة" الذي قتل 99 روحا، كان مختبئا بين أشجار بها أشواك تسمى "السدرة"، في منطقة تسمى سيدي عمر ببلعطار، حين شاهد سيدي لخضر بن خلوف مارا بجانبه وقبل أن يصله سمع "جرادة" صوت غريب صدر من الشجرتين، حيث قبل أن يصل سيدي لخضر بن خلوف إلى المكان ابتعدت الشجرة عن أختها فاسحة له الطريق، فاستغرب "جرادة" وأراد التقرب من هذا الشخص الذي تكلمت الشجرة عندما رأته، فاعترض "جرادة" طريق سيدي لخضر، وطلب منه إما تحريره أو أن يكمل به العدد 100 من الذين قتلهم، فنظر سيدي لخضر إلى السماء وقال: "يا محمد، أي سيدي حرر لي أمي وأبي وحرر لي حتى جرادة كاشف الأرواح"، وبمجرد دعوته حتى سمع صوتا من السماء يقول له إن "جرادة" محرر منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من كل هذه الحكمة التي يتمتع بها إلا أن الولي الصالح سيدي المجدوب، يقول في إحدى القصائد: "لخضر فاتني بفية وأنا فته بفيتتن، لخضر جمع مع الأنبياء وأنا شفت اللوح المحفوظ على الجهتين".
النخلة .. الحارس الأمين لضريح الولي الصالح
النخلة الشهيرة التي اقترن وجودها بمداح الرسول صلى الله عليه وسلم، امتد جذعها كالحارس الأمين والأبدي لضريح الولي الصالح، وانطلقت جذورها حيث يوجد قبر سيدي لخضر بن خلوف، وامتدت إلى السماء محيطة بضريحه، وقد تعرضت للقطع من طرف المستعمر بواسطة منشار، إلا أنها قاومت وضمدت الجرح، ويروي أحفاد سيدي لخضر، أن النخلة عندما تعرضت للقطع سال منها الحليب. وتمتد هذه النخلة إلى السماء مشكلة اسم "محمد" حسب ما أوضحه لنا بوفرمة العيد ولد بن شريف من سلالة سيدي لخضر، وتعطي هذه النخلة منظرا جماليا لضريح الولي الصالح، وينبهر لها كل من يراها.
خيمة الشعر وسر الأمنيات
يقال إن كل من يقصد خيمة الشعر التي كان يقطنها سيدي لخضر وانفرد فيها لمدح النبي وذكر الله، تستجاب دعوته، لذلك يقصدها العديد من الأشخاص كبارا وصغارا، بعضهم يطلب عملا، وبعضهن تطلب زوجا صالحا، وآخرون يريدون أن تصبح تجارتهم مباركة، وآخرون يطلبون زوجة صالحة، كما يعمد الكثير إلى أخذ تراب أو حجارة من ذلك المكان وتتركها معها، كما أوضح الشيخ الذي يجلس بالمكان، أنه من الأحسن أن يتم ربط تلك الحجارة بالحنّة، وأن يحملها الشخص دائما معه وهي دليل على فأل خير ونجاح جميع أعماله، ولأن سيدي لخضر بن خلوف، كان يقوم بهذه الأفعال، كما أنه التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك المكان بالذات الذي رحل عنه سيدي لخضر بن خلوف تاركا وصية واحدة فقط يقول فيها: "من وقف على قبري يدعي لي بالرحمة، يرحمكم الله يا سابطين الخير".
الطعم والركب لإحياء ذكرى بطل الحرب
يقيم سنويا، أحفاد الولي الصالح سيدي لخضر، ولائم تتخللها أفراح وأهازيج مصحوبة بعروض للفروسية، وهو الحفل الذي يسمى بـ"الطعم"، وهو مناسبة للتبرك بالولي الصالح، حيث تقام هذه الاحتفالات بمقام الولي الصالح، كما يقام سنويا الركب، من قِبل محبي سيدي لخضر بن خلوف بمعية أحفاده، وتدوم هذه الاحتفالات عدة أيام، ليجتمع جميع أحفاده والعديد من الزوار، وتشارك فيه فرق البارود في النهار قبل أن تحل محلها ليلا فرق الموسيقى الشعبية، ولا تغنى فيها إلا قصائد من نظم سيدي لخضر بن خلوف في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يتم إحياء ذكرى الحروب التي انتصر فيها سيدي لخضر بن خلوف، عن العدو وكبدهم خسائر مادية ومعنوية، ويكون ذلك في 22 أوت من كل سنة، وهي ذكرى انتصار الجنود بقيادة سيدي لخضر بن خلوف على القوات الإسبانية في معركة مزغران، لذلك يحظى الولي الصالح، باهتمام كبير لدى سكان مزغران، حيث يقومون بإحياء ذكراه كل سنة وسط فرحة عارمة بأشعاره التي بقيت حية بعد رحيله عن عالمنا منذ قرون عدة.
الكاتب: أمينة زعيطي
عن جريدة الجزائر.