غياب
القاعدة العلمية الفاعلة:
فقد ترتب على
تحويل العلم من العبادة إلى الشهادة أن ذهبت همة الناس وانصرفت إلى الحصول على
الرخص العلمية، والرواتب الشهرية والمناصب الإدارية وتحول العلميون إلى موظفين
إداريين، وهدف التعليم إلى تخريج موظفين، والبحوث العلمية للترقية وعندما وسد الأمر
لغير أهله وهجرت العقول العلمية والكوادر العلمية مراكز البحوث إما هرباً إلى ديار
غير المسلمين أو نزوحاً إلى مراكز الإعارات المادية، فاستنفرت أوروبا واستقطبت
الكوادر العلمية المبدعة والفائقة والذكية من العالم الإسلامي، وانشغل الباقون
باستثمار أموالهم التي حصلوا عليها من الإعارة، واتجهوا نحو البنايات والديكورات
والثريات والسيارات وفرش الأرضية الصناعية (الموكيت والسيراميك وغيره)، وحل التناحر
والتفاخر والخصام في المراكز العلمية، ولم يعد هناك قدوه علمية مؤثرة، وغابت
الجوانب الإبداعية البحثية وضل الناس وسيطر أهل الثقة، وغاب أهل الذكر، كما لعبت
أفكار المنهزمين وكتاباتهم دوراً رئيساً في تفتيت القاعدة العلمية الفاعلة سياسياً
واقتصادياً وإعلامياً واجتماعياً، وانشغل العلميون الشرفاء بتحصيل الرزق وطبع غيرهم
المذكرات الدراسية وباعها للدارسين وتفشت ظواهر الدروس الخصوصية وتخلت الدول
الإسلامية عن العلميين واهتمت بالفنانين، والكرويين، والرسامين بطريقة غير سوية،
كما لعبت السياسة دوراً غريباً في مطاردة بعض الكوادر العلمية القيادية، وغاب الدور
الثقافي لأستاذ الجامعة وانتهى دوره السياسي والاجتماعي له وغابت القاعدة العلمية
الفاعلة، وفشلت بعض المشاريع الانفعالية في بناء تلك القاعدة العلمية الفاعلة، فضاع
العلم والعلماء على موائد اللئام والمتسلقين والانتهازيين واجتذت جذور المخلصين من
المختبرات العلمية