يحسم
الجزائريون، الخميس، في تشكيلة المجلس الشعبي الوطني المقبل، في استحقاق
ينتظر أن يشد أنظار العالم، بالنظر إلى الآمال التي يعلقها الجزائريون على
هذا الموعد، وكذا الرهانات والتحديات المعقودة على انتخابات تصر السلطة على
أن تكون ليست كسابقاتها. وسيكون 21 مليون و664 ألف و345 ناخب، مدعوين لاختيار 462 نائب يشكلون
برلمان ما بعد الإصلاحات السياسية التي أطلقها رئيس الجمهورية، قبل أزيد من
سنة، تحت ضغط ما صار يعرف بـ"الربيع العربي"، الذي هبّت رياحه على المنطقة
العربية. الخيارات ستكون واسعة ومتعددة أمام الناخبين بالنظر إلى الكم
الهائل من المرشحين البالغ عددهم 24 ألفا و916 مترشح، ممثلين لـ 44 حزبا
و186 قائمة حرة من بينهم 7700 إمرأة مترشحة استفادت من تدابير القانون
العضوي المتعلق بترقية تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، الذي جاء ضمن
حزمة ما يعرف بقوانين الإصلاحات. وكانت العملية الانتخابية قد بدأت الإثنين
المنصرم، في المكاتب المتنقلة والمناطق البعيدة وعدد من ولايات الجنوب،
كما بدأت في الموعد ذاته بالنسبة للجالية في المهجر، في كل من أوروبا
والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ومناطق مختلفة من العالم، البالغ عدد
ناخبيها أزيد من 990 ألف، على أن تستمر العملية الانتخابية إلى غاية اليوم.
وجندت السلطات الوصية بمناسبة هذا الموعد، 400 ألف عون للسهر على ضمان حسن
سير العملية الانتخابية خلال جميع مراحلها، فيما تم تجنيد ما يقارب 20 ألف
ممثل عن جهاز القضاء للإشراف على العملية التي تشهد لأول مرة إشرافا
قضائيا، فضلا عن حضور أكثر من 500 ملاحظ أجنبي ينتمون للاتحاد الأوروبي
ومنظمات الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والتعاون
الإسلامي. وتجري هذه الانتخابات وسط جو مشحون تطبعه الاتهامات والاتهامات
المضادة بين السلطة والمعارضة، على خلفية انفراد السلطة بجملة من القرارات
المنظمة للعملية الانتخابية، كما تجري أيضا في ظل مراقبة دولية مشددة وبصفة
غير مسبوقة، كشف عنها إصرار بعثة الإتحاد الأوروبي من أجل الحصول على
البطاقية الوطنية للناخبين. وتنتظم انتخابات "خميس التغيير"، كما يحلو
للبعض تسميتها، على وقع شد وجذب بين مصالح وزارة الداخلية، واللجنة الوطنية
لمراقبة الانتخابات التي لم تنجح في تحقيق أي مكسب باستثناء مطلب "الصندوق
الشفاف"، بعدما فشلت في كل غاراتها على قلعة دحو ولد قابلية، سيما تلك
المتعلقة بعشرات الألوف من تسجيلات أفراد الجيش الوطني الشعبي، التي تمت
خارج الآجال القانونية، ونظام ورقة الانتخاب الواحدة، وكذا اعتماد صور
مسؤولي الأحزاب السياسية في الورقة الانتخابية، وتمكينها من الحصول على
البطاقية الوطنية للتأكد من سلامة قوائم الناخبين من التلاعبات.
وتصر السلطة على وضع الانتخابات التشريعية في ذات المرتبة مع ثورة أول
نوفمبر، في دلالة واضحة على اقتناعها ممثلة في رئيس الجمهورية، على ضرورة
التغيير، في حين تسعى أطراف أخرى إلى اعتبار موعد العاشر ماي، كغيره من
المحطات الانتخابية السابقة. ويبقى هاجس السلطة في هذه الانتخابات هو رفع
نسبة المشاركة إلى ما فوق عتبة الخمسين بالمائة، بعدما سجلت التشريعيات
الأخيرة واحدة من أضعف النسب منذ الاستقلال، وكذا ضمان ما أمكن من النزاهة
والشفافية لاتقاء أية شبهة، ومن ثم إبعاد المخاوف من احتمالات التدخل
الأجنبي، الذي صار يؤرق رئيس الجمهورية، كما استشف من خطاباته
في أكثر من مناسبة، غير أن الكلمة الأخيرة تبقى للناخب
اليوم وما ستفرزه الصناديق الشفافة.