إفهموا يا عرب!
سؤال محيّر يطرح على الجزائريين ـ ولا من مجيب ـ يتعلق ببرودة الشارع الجزائري في التعاطي مع الجرائم المرتكبة في حق الشعب السوري تحديدا، خاصة وأن أغلب شعوب الأرض، تخرج وتتظاهر تضامنا مع المدنيين الذين يُقتلون يوميا على أيدي الجيش السوري، بينما لا أحد يتفاعل بشكل عملي في الجزائر مع الأحداث.. وإذا كنا نعلم غياب الحوافز لدى الأحزاب والجمعيات المنشغلة حاليا بموسم "الحرث الانتخابي" فإنه من الصعب تحليل وتفكيك وجهة نظر الضمير الجمعي للجزائريين الذين خرجوا للشارع وقوفا مع حزب الله خلال حرب تموز وخرجوا إلى الشارع وقوفا مع شعب غزة أيام الحرب عليها، بينما تجاوز ضحايا سوريا كل تلك الأحداث التي سبقت.. هل لأن الجزائريين يعتقدون أن سوريا تتعرض إلى مؤامرة؟ أم لأسباب أخرى تتطلب تدخل علماء النفس والاجتماع لنفهم كيف يتعاطى الجزائريون داخليا مع الوضع السوري وقبله الأوضاع في ليبيا ومصر وتونس..
1 ـ الجزائريون لديهم حساسية مفرطة من شيء اسمه "الناتو" أو التدخل الأجنبي، ولعل الثورة الجزائرية تكاد تكون الوحيدة في العالم الثالث التي انتصرت دون تدخل أجنبي، ولذلك رأينا كيف انقلب موقف الجزائريين رأسا على عقب عندما تدخل الناتو في ليبيا وبدأ قصفه للمنشآت والمدنيين، وتحول الثوار من أصحاب حق إلى مستعينين بالأجنبي للدفاع عن أنفسهم، وهي حالة لا أثر لها في القاموس الجزائري الذي لا يؤمن بهكذا طرق في الدفاع عن النفس، فالشعب الذي دفع مليونا ونصف مليون لافتكاك حريته لا يمكن أن يتقبل التدخلات الأجنبية مهما كان الخطر..
2 ـ واضح جدا أن إحساس الجزائريين بتخلي الأشقاء العرب عنهم سنوات الإرهاب لايزال يهيمن على الجميع، لأن ما شهدته الجزائر من عشرية حمراء، وما دفعه الجزائريون من أرواح، لم يدفعه لا الليبيون ولا المصريون ولا السوريون.. صحيح لم تكن حينذاك لا الجزيرة ولا هيمنة وسائل الإعلام بالصورة الحالية، لكن واضح جدا أن الشعوب العربية قد تركت الشعب الجزائري يتخبّط بين أيدي الإرهاب دون أدنى شعور بالتضامن، بل أكثر من ذلك، ثمّة دول وشعوب عربية ساهمت في حصار الجزائر ومنعت عنها حتى ما يتطلبه حق الجوار من "إيواء الخائف وإطعام الجائع"، وقد نشرنا في الشروق اعترافات وزير المالية السابق بداية التسعينات حينما كانت الجزائر تتسوّل المساعدات المالية من بعض القادة العرب الذين تعاملوا بقبح وفظاعة مع حاجة الجزائريين إذّاك مثلما هو حال القذافي والملك الحسن الثاني، هذا الأخير، الذي أغلق الأبواب في وجه الأشقاء، بل وساهم مخزنه في تعفين الأوضاع رغم تعاطف الشعب المغربي الشقيق.
الأشقاء العرب، الذين يلومون الجزائر اليوم لبرودة تعاملها مع الثورات العربية، لم يساعدوا الجزائريين ولو بخرطوشة واحدة لمكافحة الإرهاب، ولا أذكر شخصيا أي شارع عربي خرج في مظاهرات لدعم الجزائر والتضامن معها، ولا أي قائد عربي مد يده إلى الخزينة ليطعم الجوعى في جزائر العشرية الحمراء، بل ثمّة من أغلق حدوده وثمّة من سحب جاليته واستثماراته..
ما عاشه الجزائريون سنوات الإرهاب، لا يماثله أي وضع عربي آخر حتى في عزّ الربيع العربي، وما دفعناه من تضحيات ومن فتن ومن خراب ومن تجويع ومن ترحيل ومن تشريد ومن ترويع لم يحدث لا في عهد القذافي ولا بعد موته، ولا في عهد حافظ الأسد ولا في عهد ابنه، ولا في عهد مبارك ولا بعده.. ورغم ذلك ترك الشعب الجزائري وحيدا، بل أصبح بعض القادة العرب يضربون به المثل لتخويف الداخل والخارج، ولذلك ينظر الكثير من الجزائريين بعين الحذر والريبة أحيانا إلى تحركات الشارع العربي، وفي الكثير من الأحيان، يسارع الثوّار إلى طلب النجدة من القوات الأجنبية قبل أن يشتد عود الثورة، ثم يلام الجزائريون، لأنهم لم يوافقوا على استدعاء الأجنبي ليحل مشاكل الشعوب العربية عسكريا، حتى ولو كانت على حق في الثورة على الظلم والطغيان والفساد.
نقول للأشقاء العرب الذين يثورون على الظلم والطغيان، أن القلوب تعتصر من أجلهم في كل البيوت الجزائرية، رغم أننا لم نشعر بقلوبكم أيام كنّا نخرج صباحا من بيوتنا لنجد الرؤوس والجثث تتطاير في الشوارع، بل كنتم جميعا تتواطأون تحت شعار "من يقتل من؟"، وكانت مصر وتونس والمغرب تدافع عن سياحتها بالتضييق على الجزائريين الهاربين من هول المذابح، حين كان الجواز الأخضر مدعاة للسخرية والاحتقار في المطارات الدولية، ومن الطبيعي أن يولد ذلك عند الجزائريين إحساسا بالحڤرة التي عامله بها الأشقاء العرب طيلة سنوات محنته التي لم تكن 18 يوما مثلما هو حال الثورة المصرية، ولا حتى سنة مثلما هو حال الثورة الليبية، لكنها كانت عشرية كاملة من الألم والبؤس والتعاسة والدماء والمرضى واليتامى..
نعم، يفهم الجزائريون حق الشعوب العربية في التحرر بسواعدها وليس بسواعد الناتو.. لكن من حق الشعب الجزائري أن يسأل الثائرين في كل مكان "أين كان هؤلاء جميعا عندما كان الدم الجزائري مستباحا"؟